29 June, 2012

تعالي أطارحك الجنون تعال


تعالي أطارحك الجنون تعال


مشعل السديري

المشكلة الأساسية التي تواجه الكاتب اليومي، ليست هي اختيار المواضيع، ولكنها قبل ذلك إقناع أو اقتناع القارئ بما يطرح أمامه، وبعد أن خضت أنا هذه التجربة (غير المريحة)، تأكد لي تماما أن رضاء الناس غاية لا تدرك.

فإذا ما تطرقت إلى مواضيع جادة مثلا، يتصدى لي البعض قائلين: يا أخي ما هذا (الغم) الذي تقرفنا به؟ فلدينا من المشاكل ما يكفي، (محنا ناقصين).

أما إذا كتبت في مواضيع خفيفة فإنني لا أعدم بعض الناس الذين يصيحون في وجهي قائلين: ما هذا (الهلس) الذي تريد أن تجبرنا على قراءته، وكأن حياتنا قد خلت من التحديات التي يجب أن نواجهها ونتصدى لها يوميا، لا أن نهرب منها كالجبناء أو العابثين؟

وأنا أعتقد أن كلا الطرفين على صواب، وكلاهما على خطأ كذلك.

فالحياة مثلما هو وارد في نصوص قوانينها غير المكتوبة، تقول فيما تقول: بما أن الحياة بها الليل والنهار.. والإنسان ما هو إلا كائن قابل للضحك والبكاء.. وقابل للتوالد والموت.. وقابل للخطأ والنسيان وتكرار الخطأ.. وبما أنه هو وحياته كذلك، فإن رسم ملامحه وملامح حياته، لا يمكن أن يكون إلا برسم الشمس (مشرقة غاربة) في نفس الوقت، ورسمه وهو ضاحك حتى أقصى نواجذه، ودامع حتى تخضل لحيته بالدموع، إذا كان رجلا ذا لحية، أو دامعة حتى تسيح الكحلة على البودرة، إذا كانت امرأة تعشق المكياج.

وإنني والله لسعيد لأن رضاء الناس غاية لا تدرك، لأنني منذ أن بدأت أتعلم كيف أمسك بقلم الرصاص بين أصابعي (المتمردة على التكلس)، وأنا لا أسعى ولا أقبل بأي شكل من الأشكال، أن أبحث عن رضاء الناس.

فبماذا أرضيهم؟ ولماذا أرضيهم؟ ومن أجل ماذا أرضيهم؟ وهل يستحقون الرضا؟ ولماذا هم يسعون أساسا إلى الرضا؟ وهل الرضا هو الغاية؟!

ومع احترامي لكل إنسان اسمه (رضا) إلا أنني لا أعتقد أن أتورط في يوم ما بترشيح مولود جديد لنيل شرف هذا الاسم، الذي هو بمثابة (النهاية)، وأنا من الناس الذين يهربون من النهاية بالجري دائما إلى الأمام، حتى ولو كان أمامي وعلى بعد عدة أمتار قليلة تمساح فاغر فمه، لهذا سوف أكتب بنفس إيقاع أمنا العجوز المتصابية التي يقال لها الحياة أطال الله عمرها.

سوف أكتب ولن أجامل أو أنافق أو أرضي أحدا على حساب أحد، فلم أخلق لكي أكون في يوم من الأيام (طبالا)، مع احترامي لكل طبال موسيقي.

كذلك لم أخلق لكي أكون (مدلك مساج).. ومن أراد أن يستريح عندي، فعلى الرحب والسعة، أي على سرير مزروع بالمسامير، ولن أقول لمن أصطفيها كما قال المغني: تعالي أقاسمك الهموم تعالي.. ولكني أقول لها: تعالي أطارحك الجنون تعالي.

m.asudairy@asharqalawsat.com



http://samotalis.blogspot.com/

No comments: