حسين شبكشي |
!حمّام «ميته» مقطوعة
التفجيرات الحاصلة في مدن سورية مختلفة وبنفس الأسلوب وحصولها المصادف دوما لوجود مراقبين سواء أكانوا من قبل جامعة الدول العربية أم من هيئة الأمم المتحدة، تتضمن العديد من التفاصيل اللافتة، مما يجعل الرواية الرسمية لنظام بشار الأسد الشارحة لها مسألة غير مقنعة وغير قابلة للتصديق.. فهناك جثث داخل السيارات «المفخخة» لناس تم ربط أيديهم قبل إدخالهم للسيارات وعرض جثثهم المتفحمة، كما أن بعض الجثث قد تم التعرف عليها باعتبارها لمعتقلين تم القبض عليهم أيام الثورة ومن خلال المظاهرات السلمية التي كان يقوم بها ثوار سوريا في المدن المختلفة، مع عدم إغفال التغطية الإعلامية «الفورية» لأحداث التفجيرات بشكل مدهش في بلد لا يمكن تحريك كاميرا ومراسل فيه إلا بإشراف أمني دقيق جدا.
حتى جاءت آخر الإضافات لشرح ما يحصل وتفسير تلك الانفجارات، وهي البيان الذي صدر عن مجموعة أصولية سلفية جهادية جديدة على الساحة ومجهولة باسم «النصرة»، وقد كان لافتا أن تتبنى هذه الجماعة التفجيرات بعد تصريحات متتالية لمندوب سوريا لدى الأمم المتحدة الجعفري، ومن قبله وزير الخارجية المعلم، وهما يرددان أن التفجيرات الحاصلة في سوريا تحمل بصمات تنظيم القاعدة الإرهابي. وفور إطلاق جماعة «النصرة» لبيانها سارع الإعلام السوري بربط هذه الجماعة بأنها محسوبة على تنظيم القاعدة نفسه، مما يذكرني بنفس الأسلوب الذي اتبعته أجهزة الاستخبارات السورية كرد فعل استباقي لتوابع زلزال اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وإخراجها شريطا تلفزيونيا مسجلا لشخصية لها ملامح أصولية وتتبع نفس المفردات المستخدمة في مناسبات إعلامية كهذه، وعرفت الشخصية لاحقا باسم «أبو عدس» وتبنت العملية الإجرامية، ولكن طبعا مع مرور الوقت عرف الناس أن هذه ما كانت إلا بالون اختبار استخباراتي من السوريين لإبعاد الأنظار المتوقعة عليهم وعنهم في عملية اغتيال يبدو جليا أنهم هم الطرف الوحيد القادر على إعدادها والاستفادة منها.
ولكن تفجيرات دمشق قد تظهر أمرا مهما آخر، هو عدم وجود تناغم، وقد يكون تباعدا، بين أجهزة المخابرات السورية نفسها. حافظ الأسد أسس نظاما أمنيا بامتياز، حيث لا قيمة للوزارات ولا لحزب البعث ولا الجيش ولا الشعب ولا سائر المؤسسات والكيانات، فقط المنظومة الأمنية المخابراتية، وقام بتجهيز فروع لهذه الأجهزة مثل: المخابرات العامة، والمخابرات العسكرية، والمخابرات الجوية، وغيرها، وكل جهة مستقلة، وكل عملية أمنية تحصل لا بد أن تمر على الجميع حتى يتم «الموافقة» عليها. ومن المعروف أن التنافس كان على أشده بين رؤساء هذه الأجهزة، وكان الأسد يستغل ذلك جدا، والخاسر الوحيد كان دوما الأبرياء من الشعب.
وفي حقبة الابن بشار تم تغيير الوضع كثيرا، وإن كان توغل الأقرباء والمقربين في هذه الأجهزة له الدور الثقيل؛ فماهر الأسد وآصف شوكت وآل مخلوف (خال الرئيس) لهم من النفوذ الشيء الكثير ولهم من الطموح الشيء الأكثر، وهذا مما قد يعني توظيف هذه الأجهزة لمكاسب نوعية شخصية فورية في ظل الحديث المتزايد عن استعداد وقبول روسيا اليوم لفكرة خروج وتنحي بشار الأسد عن منصب الرئيس، ولكن أن يبقى النظام ويكون البديل موجودا من الداخل ليكمل ذلك، وهنا من الممكن «تفسير» هذه الموجة من الانفجارات لإقناع العالم، وتحديدا الروس، أن رأس النظام يجب أن يرحل ولكن هناك من بداخله قادر على الإمساك بزمام الأمور، مما يعني أن أجهزة المخابرات التي صممت على مبدأ التنافس من أجل إرضاء المعلم الكبير باتت اليوم أداة خطيرة تساهم في القضاء السريع عليه.
لا يصدق أحد رواية النظام بخصوص التفجيرات، كما أن أحدا لم يصدق من قبل رواياته التي فسرت الثورة عليه، التي دخلت شهرها الخامس عشر، ولا يبدو أبدا عليها ملامح الهدوء، بل المسيرة مستمرة حتى النهاية في ظل نظام انكشف وتعرى ويفضح نفسه بشكل يومي ومستمر حتى تحول إلى نكتة، لا أكثر. المخابرات السورية وصفت ذات يوم بأنها الأكثر دقة وفعالية في إدارة شؤون البلاد، لكن يبدو أنها تحولت إلى ما يشبه الحمّام الذي انقطعت المياه عنه، لا أكثر!
hussein@asharqalawsat.com
حتى جاءت آخر الإضافات لشرح ما يحصل وتفسير تلك الانفجارات، وهي البيان الذي صدر عن مجموعة أصولية سلفية جهادية جديدة على الساحة ومجهولة باسم «النصرة»، وقد كان لافتا أن تتبنى هذه الجماعة التفجيرات بعد تصريحات متتالية لمندوب سوريا لدى الأمم المتحدة الجعفري، ومن قبله وزير الخارجية المعلم، وهما يرددان أن التفجيرات الحاصلة في سوريا تحمل بصمات تنظيم القاعدة الإرهابي. وفور إطلاق جماعة «النصرة» لبيانها سارع الإعلام السوري بربط هذه الجماعة بأنها محسوبة على تنظيم القاعدة نفسه، مما يذكرني بنفس الأسلوب الذي اتبعته أجهزة الاستخبارات السورية كرد فعل استباقي لتوابع زلزال اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وإخراجها شريطا تلفزيونيا مسجلا لشخصية لها ملامح أصولية وتتبع نفس المفردات المستخدمة في مناسبات إعلامية كهذه، وعرفت الشخصية لاحقا باسم «أبو عدس» وتبنت العملية الإجرامية، ولكن طبعا مع مرور الوقت عرف الناس أن هذه ما كانت إلا بالون اختبار استخباراتي من السوريين لإبعاد الأنظار المتوقعة عليهم وعنهم في عملية اغتيال يبدو جليا أنهم هم الطرف الوحيد القادر على إعدادها والاستفادة منها.
ولكن تفجيرات دمشق قد تظهر أمرا مهما آخر، هو عدم وجود تناغم، وقد يكون تباعدا، بين أجهزة المخابرات السورية نفسها. حافظ الأسد أسس نظاما أمنيا بامتياز، حيث لا قيمة للوزارات ولا لحزب البعث ولا الجيش ولا الشعب ولا سائر المؤسسات والكيانات، فقط المنظومة الأمنية المخابراتية، وقام بتجهيز فروع لهذه الأجهزة مثل: المخابرات العامة، والمخابرات العسكرية، والمخابرات الجوية، وغيرها، وكل جهة مستقلة، وكل عملية أمنية تحصل لا بد أن تمر على الجميع حتى يتم «الموافقة» عليها. ومن المعروف أن التنافس كان على أشده بين رؤساء هذه الأجهزة، وكان الأسد يستغل ذلك جدا، والخاسر الوحيد كان دوما الأبرياء من الشعب.
وفي حقبة الابن بشار تم تغيير الوضع كثيرا، وإن كان توغل الأقرباء والمقربين في هذه الأجهزة له الدور الثقيل؛ فماهر الأسد وآصف شوكت وآل مخلوف (خال الرئيس) لهم من النفوذ الشيء الكثير ولهم من الطموح الشيء الأكثر، وهذا مما قد يعني توظيف هذه الأجهزة لمكاسب نوعية شخصية فورية في ظل الحديث المتزايد عن استعداد وقبول روسيا اليوم لفكرة خروج وتنحي بشار الأسد عن منصب الرئيس، ولكن أن يبقى النظام ويكون البديل موجودا من الداخل ليكمل ذلك، وهنا من الممكن «تفسير» هذه الموجة من الانفجارات لإقناع العالم، وتحديدا الروس، أن رأس النظام يجب أن يرحل ولكن هناك من بداخله قادر على الإمساك بزمام الأمور، مما يعني أن أجهزة المخابرات التي صممت على مبدأ التنافس من أجل إرضاء المعلم الكبير باتت اليوم أداة خطيرة تساهم في القضاء السريع عليه.
لا يصدق أحد رواية النظام بخصوص التفجيرات، كما أن أحدا لم يصدق من قبل رواياته التي فسرت الثورة عليه، التي دخلت شهرها الخامس عشر، ولا يبدو أبدا عليها ملامح الهدوء، بل المسيرة مستمرة حتى النهاية في ظل نظام انكشف وتعرى ويفضح نفسه بشكل يومي ومستمر حتى تحول إلى نكتة، لا أكثر. المخابرات السورية وصفت ذات يوم بأنها الأكثر دقة وفعالية في إدارة شؤون البلاد، لكن يبدو أنها تحولت إلى ما يشبه الحمّام الذي انقطعت المياه عنه، لا أكثر!
hussein@asharqalawsat.com
No comments:
Post a Comment